منذ أيام قليلة تواصل معي أحد المتابعين من أجل الحديث عن مشكلة يواجهها ، ألا وهي عدم النجاح في التقاطه لأي عمل فني جميل حسب تعبيره ، وبالعودة لاستعراض أعماله الفنية ، وجدت منها ما هو جيد بالفعل ولديه تلك اللمسات الفنية بمحاولته لكسر الالتقاطات المعتادة أو بالأصح بالبحث عن الخروج عن المألوف ، ويتبقى عليه هو موضوع مهم ألا وهو الإيمان بجودة أعماله الفوتوغرافية أولا وبموهبته الفنية ثانيا ، وافتقادك لأي من هاذان العنصران يجعلك دائما ما تشكك في مدى نجاحك للوصول للغاية أو الهدف المراد تحقيقيه ، وهي المشكلة أو المعضلة التي نقع فيها جميعا ، حيث أننا نفتقد للمعيار الصحيح للحصول على تقييم حقيقي لجودة الأعمال التي نقدمها أو نلتقطها ، وقد يكون السؤال الأكثر صعوبة لغير المتمرسين في هواية التصوير كيف لي أن أعي أن الإطار الماثل أمامي به موضوع جيد للالتقاط ؟ وهل التقط كل عمل أمامي بشكل متواصل أو اتركه وابحث عن غيره ؟
ورغم فلسفة التساؤل الذي يطرح نفسه بشكل متواصل ، إلا أن الجواب ذاته يحوم حول فلسلفة التجربة والتنفيذ ، فصدقوا أو لا تصدقوا كونكم غير مدركين لمسألة الصواب والخطاء تعطيكم أفضلية كبيرة جدا بخوض العديد من التجارب والتعلم منها ، ليس هذا وحسب بل ستساعدكم على اكتشاف أسلوبكم الخاص بكم بالتصوير بقادم الأوقات ، والتي تنعكس بدورها كذلك على ما تفضلوه من نوعية أعمال وأوقات للتصوير وحتى طريقة التنفيذ لالتقاط تلك الأعمال الفنية ! فهنا أغلب المصورين يمتلكون شخصية الفنان المتحرر ، والتي تكون في قمة عطاءها وأوجه تألقها في بداية مشوارهم الفني ، ولكن يبدأ ذاك التألق بالنزول تلقائيا بعد انشغال الكثير من الهواة حول ماهية جودة الأعمال التي يقدموها ومدى تجاوب الجمهور معها أو حتى اعجاب بقية زملائهم المصورين بها على نحو خاص ، الأمر الذي يفسر تدني عطاء البعض فيما يقدمه من أعمال لاحقا بعد مروره بالعديد من التجارب ببداية مشواره والتي كانت أكثر عطاءا .
ويبقى السؤال ما هو التقييم الحقيقي لقوة أية عمل فني أراه ، فخلافا لموضوع تميز الفكرة والموضوع وترتيب الإطار الفني ، يبقى المعيار الأهم هو مفهوم الإعجاب العام والتي نلخصها بكلمة بسيطة (جميل أو جميلة) وهذا هو الوصف الأولي بدون الإبحار بتفاصيل العمل من عناصر وتكوينات ومضامين فنية وحسية ، وهو ما يجعل خيار التجربة والتنفيذ أمام المصور مفتوحا ولا أبعد الحدود ، فمتى ما اتفق الوصف (جميل أو جميلة) على نوعية ما تقدموه من أعمال فنية فأنتم بمسار صحيح مما يقودكم مستقبلا للتطوير على نوعية هذه الأعمال بهدف رفع المستوى ومع المحافظة على ذات الشغف بالاستمرارية في التقاط أكبر عدد من الأعمال الفوتوغرافية ، ولا ضير من تحقيق بعض علامات الفشل بين الحين والآخر فهي جزء مهم من مرحلة التعلم والتطوير الذاتي .
وعلى ذكر الأخطاء والفشل يبقى المسبب الوحيد لها دائما وابدا هو الاستعجال وعدم اخذ الوقت الكافي لتنفيذ الأعمال بشكل صحيح ، في حين هناك من يراهن هذه الأيام على جودة برامج التعديل ومفهوم الذكاء الصناعي في تصحيح بعض الأخطاء التي تحصل وقت التصوير ، وهو مالمسته من ترحيب كبير من قبل العديد من جمهور المصورين على التحديثات الأخيرة التي واكبت بعض من تلك البرامج ، وشخصيا دفعني فضول التجربة كذلك لتجربة تلك التحديثات ، وشخصيا وجدت النتائج نوعا ما جيدة أو مقبولة بشكل بسيط وليست بالطريقة التي تم التسويق لها ، ولكن وجدت نفسي في جدال آخر ، إذا تكفلت البرامج يوما ما بالوصول إلى النتجية النهائية التي نريد تحقيقها فعليا بوقت التصوير ، فهل سنفتقد متعة التصوير كما هي عليه الآن ؟ وهل سينتهي بنا المآل إلى تسخير المعدات وأجهزة الذكاء الصناعي للقيام بدورنا كمصورين ؟
ومابين التجربة والتنفيذ تبقى لدينا هناك شواهد من التاريخ ، فما زالت أجهز التلفاز والهواتف رغم التطورات التي حصلت والتكنولوجيا التي طالتها ، ولكنها ما زالت محافظة على موقعها الأصلي كونها تعتبر حلقة وصل بين البشرية ، والأمر ذاته للصورة الفوتوغرافية ومستقبل التصوير والفيديو على حد سواء ، آخر التطورات لهذه التكنولوجيا يقال بأنها ستحل محل البطاقات الشخصية وجوازات السفر ، والاكتفاء بدور الكاميرات للتعرف على هوية الشخص ومن مسافات طويلة ، والتي ستستخدم خاصية التعرف على الوجوه دون الحاجة للانتظار بطوابير التأشيرات والجمارك ، وهو ما يفتح المجال بشكل موسع أمام الشركات المصنعة للكاميرات بتطوير تلك المعدات والبرمجيات لخدمة البشرية على نحو أوسع وأشمل ، فمن يعلم لربما تكون الكاميرات التي نحملها اليوم هي البديل الذكي لقضاء العديد من الحوائج اليومية من مشتريات ودفعات مالية بقادم الأوقات ؟
بالختام .. يبقى لنا أن نذكر بأن المحرك الرئيسي للنجاح هو الشغف ولتحقيقه نحتاج للتجربة والتنفيذ ، وبتلك المرحلة لا يوجد معيار مسبق لاستبيان مدى نجاحها أو فشلها ، ولكن المكسب الحقيقي هو المتعه والتعلم والتطوير الحقيقي ، ولو عاد الزمن بنا للخلف قليلا لقمنا بسؤال العديد من رواد مدراس الفن ممن ننظر لهم بأنهم أساتذة الفن الذي نعشقه هل كنتوا على يقين من نجاح أعمالكم وتميزها مستقبلا ؟ .. سأكون على يقين بأن الأكثرية سيكون جوابه بـ لا ، (فالمسألة هي مجرد إيمان وتفضيل شخصي للموضوع الذي فضلوا أن يلتقطوه ..) تلك هي العبرة باختصار بسيط !
أطيب التحيات والتقدير ،،،
عبدالله المشيفري .