الموهبة والتمرس

من يتابع كرة القدم بلا شك سمع وشاهد الموهبتان الكروية وهما اللاعبان الأرجنتيني ميسي واللاعب البرتغالي رونالدوا ، ولطالما أصبحوا حديث الساعة في زمننا الحالي نتيجة العطاء الفني الذي يقدمانه داخل أرضية المستطيل الأخضر ، ونالوا شهرتهم من خلال المقارنة الدائمة بينهم ، ألا وهي الموهبة ضد التمرس ، فاللاعب ميسي هو مثال حي لكل ما تجسده كلمة الموهبة الفطرية في تعامله مع الكرة أمام خصومه ، في حين عوض خانة هذه الموهبة اللاعب رونالدوا عبر اتباعة طريقة التمرس بإتباع تمارين صارمة من أجل تعويض إكمال خانة النقص بالموهبة الفطرية عن طريق التعود على إكتساب خبرات فنية متواصلة ضمنت له الاستمرارية التصاعدية في عطاءه ، خلافا لصاحب الموهبة الذي لايجد نفسه ملزما بإتباع ذات التدريبات كونه يستطيع صناعة الفرق بأي وقت وزمان ، وهو ما يجعل متعة متابعة هذان اللاعبان متعة بصرية بحق لمحبي عالم كرة القدم .

وعلى ذات السياق نجد ذات المعادلة تجد سبيلها وحضورها ضمن المحيط الفني ، فهناك من نجدهم يمارسون هواية التصوير بشكل جميل جدا وينجحون بإلتقاط العديد من الأعمال الفنية ، رغم قصر المدة التي بدوأ فيها بممارسة التصوير نتيجة إمتلاكهم الموهبة الفنية ، والتي يسميها البعض بإمتلاكهم (للعين الجميلة) ، حيث تنتبه تلك العين للعديد من التفاصيل المحيطة بنا وبشكل تلقائي وتنجح بإستمرار بإلتقاط أعمال فنية مميزة بدون الحاجة للبحث والتخطيط والتحضير لصناعة الصورة الفوتوغرافية ، في حين أن الأغلبية منا يتجه للتمرس والتدريب والتعلم لسنوات طويلة من أجل النجاح في إلتقاط صور جميلة ومميزة ، الأمر الذي نراه كتفسير منطقي وترجمة واقعية لإختلاف المستويات وتنوع المخرجات الفنية التي تشهدها الساحة الفنية ، وتؤثر عليها بشكل مباشر مابين وفرة الأعمال الفوتغرافية وشحها في معظم الأوقات ، وتؤثر عليها كذلك بشكل مباشر بتوجه بعض المصورين بإتباعهم نمط وأسلوب معين بذاته .

والعلم كذلك له حضوره وتفسيره لمفهوم الموهبة من خلال التصنيف الذي وضعه العالم الفائز بجائزة نوبل روجر دبليو سيفيري بالعام ١٩٦٠ ، ومفاد هذا التصنيف أن العقل البشري يصنف لجزئين أيمن وأيسر ، وأن الناس بشكل عام يتم تصنيفهم بأصحاب الأدمغة اليمنى أو اليسرى ، والفروقات بينهم تتسم بالصفات والأنماط التي يتبعوها ، حيث يذهب تلخيص صفات أصحاب الأدمغة اليمنى بأنهم أصحاب خيال واسع وتفكير شمولي ومحبي للفنون والشعر ، ومشهورين بقوة الحدس ، ويؤمنون بقوة تصور المشاعر ، في حين يفضلون اتباع ذات المنوال والنمطية في حياتهم اليومية ، بينما يميل أصحاب الأدمغة اليسرى إلى استعمال المنطق والتسلسل والحقائق والتفكير بالكلمات ، واتباع منهج الرياضيات والحسابات في تعاطيهم مع أي موضوع كان ، ولهذه الأمور أهميتها الكبرى ، ليست فقط بالتصوير ولكن كذلك لتساعدك لفهم أسلوبك ومعرفة أين نقاط قوتك حتى تستطيع إبرازها وصقلها بالطريقة الصحيحة . 

حيث تبرز قوة تلك الصفات بإنعكاسها في نوعية الأعمال والمخرجات الفنية التي يقدمها جمهور المصورين ، فعلى سبيل المثال المتتبع والمهتم بأعمال المصور الفرنسي هنري كارتير والمصور الصيني فان هو والمصور التشيكي جوزيف كاديلوكا ، سيجد بأن علامة الربط بين هؤلاء الثلاثة هو البحث عن إضافة التأثير النفسي على أعمالهم الفنية عبر التقاط مواضيعهم الفنية في لحظات عادة ماتكون شبه حاسمة ومؤثرة وهو الأمر الذي نراه بأن معظم أعمالهم هي عفوية الإلتقاط وليدة اللحظة نتيجة تأثرهم بالموهبة الفطرية ، بينما عندما نقارن أعمال المصور الأمريكي ستيف ماكوري والمصور الهانغري الأصل روربرت كابا والمصور السويسري روبرت فرانك ، نجد أن نوعية الأعمال التي يقدموها تدخل فيها النسق الترتيبي للإطار الفني والحضور الحسابي للعناصر باللعب على توزيعها في مشهد أصبح مألوفًا كأنهم يتحضرون مسبقا لتلك المعادلة من أجل التقاط ذلك العمل الناجح بشكله ونوعه ، وهو لايقل جودة عن تلك الأعمال التي تلتقط بشكل عفوي بدون أي شك . 

ختاما .. بعد حديثنا عن الموهبة والتمرس ، نحتاج فعليا الحديث عن (المنهجية والموضوعية) التي يتبعها البعض في تقديم أعماله الفنية ، ولا اتحدث هنا عن تلك الأعمال الجيدة والمقبولة للعرض والنشر ، وإنما حديثي لمن يعلم مايقدمه للملاء من أعمال ركيكة وهزيلة ويسوقها على أنها المنهج الصحيح والسليم الذي يجب اتباعه لدى الكل ، خصوصا عندما تعرض بتوقيع وبصمة (المعلم المحترف) ! ويحتفظ بالخفاء بالمميز منها للمناسبات المهمة !!!

يقال … (إفساد الذوق العام أصبح رسالة ومطلب للبعض ، فهل من رجل رشيد ينتبه ويتعض !؟) 

أطيب التحيات والتقدير …

عبدالله المشيفري