مازلت اتذكر أولى أيامي وبداياتي بالتصوير وحتى هذه اللحظة والتي امتدت لسنوات عديدة ، دخلتها وكانت من باب التحول من مجال التصوير السينمائي إلى الفوتغرافي ، ومن باب البحث عن صناعة المحتوى الفني الخاص بي ، بناء على رؤيتي الفنية وبعيداً عن تدخل الكثيرين في اختصاصي وقراري النهائي الذي كنت دائما ما اتصدم به بمجالي السابق ، ولربما كان القرار الذي اتخذته بالهجرة الكاملة من تلك القوقعة والإنفتاح على عالم العدسة الفوتغرافية كان ومازال أفضل قرار إتخذته بحياتي ، كيف لا وأنا تعلمت الكثير الكثير ومازلت حتى هذه اللحظة اتعلم كذلك ، فجماليات التصوير وفنياته أكبر من أن يتم سردها بمقال واحد وهي ليست مناطة فقط بالجماليات الفنية وحدها، ولكن كذلك هي كفيلة بتغير أسلوب الشخص وتعامله ونظرته للعديد من الأمور الدنيوية التي كان يجهلها.
فمع رحلتي للتصوير أكتشفت العديد من العوالم والثقافات الفنية ، فهناك المدارس الفنية لأساتذة التصوير الأوائل وهم من وضعوا العديد من القوانين والإبجديات للتصوير ونقلوا فكرهم وشغفهم وإبداعهم للتصوير ، وهناك كذلك المدارس الفنية التشكيلية التي تشعبت بمجالتها ورسمت الخطوط والقواعد الأساسية للتصوير في مرحلة التطور الصناعي والتي أسهمت بتصنيع الكاميرا وإدراج مفهوم وتعريف التصوير الضوئي على أنه هو (الرسم بالضوء) .
معلومات فنية كثيرة وفلسفات ونظريات متعددة تنتظر من يراجعها ويبحر معها ومابين الإزدواجية والإتفاق والنقيض والتعارض، يولد منها هنا مفهوم الثقافة الفكرية الذهنية.
ولتكمل نموها لاحقا متماشية مع الإطلاع والتعرف على تلك التجارب وإبداء الرأي والتعليقات عليها لتصل إلى مرحلة الوصول لمستوى الثقافة الفنية ، ومن بعدها يبتديء طالبها ببدء مسيرته الفنية ، والتي إما ستكون ذات بعد فني مميز وظف فيها فهمه لتلك الثقافة بأعماله الفنية ورحل معها لتأسيس ذوقه الخاص ، أو ربما ستكون ذات بعد مكرر ، ونمط مستهلك لايغير ولايضيف أية قيمة لذاك الفنان، وهنا مع هذه الجزئية تنطلق منها التصنيفات حسب ارأء الجمهور والمتابيعن مابين المصور الموهوب المتميز الإستثنائي ومابين المصور العادي، والذي سيحاول لاحقاً قضاء وقته مابين مقارنة أعماله بالآخرين أو استمراره بالدوران بذات الحلقة في تكراره لأعماله الفنية، أو محاولة الإبحار في كوكب الإبداع.
ولقد كانت لإسهامات الثقافة الفنية عظيم الأثر علي، فمن خلالها أيقنت وتعلمت منها الجوانب الفنية الفلسفية في فهم التصوير ، فعلى سبيل المثال عندما التقط صورة بمحور البورترتيت فأنا لا إلتقط صورة عابرة لوجه الشخص وإنما البحث عن تجسيد الروح النابضة به ومابين تعابير السنين والأحاسيس والمشاعر ، وعندما انطلق لتصوير الطبيعة فخيالي ورؤيته له هو كالصفحة البيضاء وكيف لي أن انتقي ترتيب ذاك المشهد بمنظر خلاب ببساطته ، في حين عندما ابحث عن الحرية والإبداع وعكس ما احبه بعدستي فوحده الفن الحر هو ما يكسر تلك القواعد والحدود الفنية لرسم تلك الصورة بمخيلتي صانعاً معها ذوقي الخاص والمخالف للمألوف مشاهدته.
ولايتوقف أمر الثقافة الفنية لدي فقط بالبعد الفلسفي ولكن بالجانب الأخلاقي أيضاً : حيث لامست أجمل صفاتها بالتعرف على الثقافات الأخرى من حول العالم من خلال تعرفي على الكثير من الأشخاص بهذه الهواية ، وتعلمت منهم حب التقدير والعطاء للغير ، وإحترام آراء الأخرين والتمعن جيداً في كثير من الأمور التي اشاهدها أو أسمعها بشكل يومي قبل بدء حديثي وطرح رائي بالمواضيع الدارجة ، ولعل من أهمها الإلتزام بالمصداقية والموضوعية التامة مابين توجهاتي الفنية ومابين ما اتحدث به أمام الجمهور العام ، فلست كمن اصبح جلده كالحرباء يغيره بناء على مصلحته، فالألوان الأساسية عندي هي واحدة إما بيضاء أو سوادء ولايمكن أن تندمج أبداً لتصبح رمادية بأي يوما من الأيام.
صحيح أن كل شخص يحمل في طيات حياته خبرة تمتزج بالثقافة والفكر ، ولكن تبقى مدرسة الأخلاق هي الأساس والروضة التي لايمل أحداً من التوقف بها، وبرائي هي الأساس الصحيح الذي يجب أن تكون المعيار الفعلي لتقييم العديد من الأشخاص ممن أسماينهم بالمعلم والأستاذ، وهم في تعاملهم أقل من يبادلوك التحية أو التقدير البسيط وفي أسوء الأحوال مبادلتك بإبتسامة خادعة لاتكلفهم الشيء الكثير، ولكن لن يفعلوا ذلك مخافة من تحطم ذاك البرستيج الزجاجي الهش ، الذي صنعوه على حد إعترافهم أمام الملاء بأنها إنجازات زائفة وبطولات وهميه !
وهو ما يجعلني أن اتحير مابين أن أشيد بموهبة ذلك الأستاذ والمعلم ، ومابين تشكيكه بتاريخه وبطولاته الزائفة من أجل صناعة اسمه الفني ، فهل كانت غايته أن يخطو إلى القمة بمحض الصدفة!
ختاماً لمن لا يعرف .. الثقافة هي صقلٌ للنفس والفطنة والمنطق، أمّا الفن هو عبارة عن موهبة يتمكّن الفرد من خلالها من التعبير عن نفسه وذلك من خلال استخدامها لترجمة الصّراعات والأحاسيس التي تنتابه.
أطيب التحيات والتقدير …
عبدالله المشيفري