يقول المصور الأمريكي آنسل أدمز : ( ليس هناك أسوء من أن تلتقط صورة ذات تفاصيل في غاية الحدة وبطريقة مبهمة)! والإبهام الذي يتحدث عنه آنسل هي الصورة ذات المعنى الغير واضح بشكلها أو مضمونها عما ترمز له ، وهي ذات الصور التي كنا نلتقطها ببداية مشوارنا الفني حيث تكون جيدة بكل شيء من إضاءة والتقاطة وتفاصيل ولكن ينقصها إحتواها للموضوع المناسب أو تكون قد تكررت في إستنساخها لذات الفكرة، وقد تبدو كلمة البحث عن المنظور الفني هي المناسبة لحل هذه المشكلة البسيطة وهي بقدرتنا إستعلام الجوانب التي تنقصها أعمالنا الفنية بشكل مقرب وكيف لنا أن نوظفها بالشكل الصحيح لتجديدها.
قبل ٢٠ سنة منذ الآن كنا نشاهد العديد من الأعمال الجميلة ، وكنا نتعلق بالكثير منها والبعض منا كان يعيش معها لحظات جميلة مع تلك الأعمال الفنية، التي كنا نشاهدها لبلدان وعوالم أخرى ، ولا أبالغ إذا ماقلت بعض تلك الأعمال الفنية قد تكون سيئة وبسيطة بشكلها ولكنا كنا نتعلق بها كثيراً كونها نالت رضانا ، لإن الإدارك الحسي لدنيا كان محدود التذوق ، أما اليوم فنحن نقف في عصر التكنولوجيا الذي جعل من العالم أجمعه لايتعدى عن كونه سوى قرية صغيرة تحمل في كف اليد وبجهاز الهاتف ! ومعها تدفقت العديد من المعلومات والصور والأعمال الفنية وأصبحت لنا قناعات شخصية أكثر عن ذي قبل في تحديد ما يعجبنا ولا يعجبنا.
والتحدي الأكبر لدينا اليوم كمصورين هو كيف لنا أن نحصل على ذاك العمل المميز بشكله خصوصا مع توافر الكثير من الأعمال الفنية، ولربما بعضها أصبح محروقاً إذا لم يكن مستهلكاً من الأساس ، ليأتي الجواب بإختصار وهو توظيف المنظور الفني لدنيا ، حيث يعرف المنظور الفني بأنه قاعدة رياضية للفن التشكيلي عامة ولفن العمارة والديكور الداخلي والمسرحي خاصة، حيث أنه يعتمد على الخداع البصري في رؤية الأشكال والمحافظة تارة على النسب والأحجام والتلاعب بها تارة أخرى وخصوصا التلاعب بالضوء والضلال لإضهار العناصر الفنية بشكل فني جمالي ، ليس هذا وحسب بل المنظور كذلك يجعل الأشياء القريبة تظهر أكبر حجماً ووضوحاً من الأشياء البعيدة، والمنظور اللوني يجعل ألوان الأشياء القريبة زاهية بينما يجعل ألوان الأشياء البعيدة باهتة.
وللحصول على المنظور بأعمالك الفنية ليس مطلوباً منك سوى أن تبحث بلقطتك الفنية كيف لك أن تكسر النمط المعتاد الذي سبق وأن رأيته من قبل لذات الموضوع وتصنع معه صورتك الجديدة ، والذي من شأنه أن يساهم في تقديم عمل فني جديد لك غير ذلك المعتاد رؤيته ، وهذا ما يفسر عن نجاح المصورين الأجانب دوماً في مقدرتهم بتقديم أعمال جديدة من ذات المكان وبأساليب مبتكرة في حين عجز الكثرين من المصورين العرب تقديم إضافة جديدة من ذات الموقع كونهم لم يعطوا نفسهم القليل من الثواني للتفكير والخروج بلقطة مبتكرة تكون غير مألوفة المشاهدة عن قبل.
حقيقة لقد اعتدت أن أرى الكثير من المصورين العرب ممن يقدموا أعمالا أعمال فنية جميلة وبشكل مستمر ، إلا أن النتيجة تكون دائما واحدة ، فما يزال البعض يصر على إستخدام ذات التكنيك في الإلتقاطة وفي وقفة المودل وفي مود الإضاءة والمعالجة، اللهم فقط الفرق يكون بإختلاف وجه المودل أحياناً، إذا عن أي إبداع نتحدث إذا كانت جميع الصور أتت على نفس السياق !؟ صحيح سأقوم بالتصفيق لأول عمل بحرارة والثاني بحرارة أقل ولكن عند العمل الثالث والرابع سأقول اكتفيت ! وبالتالي كل ذاك الجهد وللأسف ذهب هباء لإنه لم يشبع ذائقتي الفنية ، فمن الأجدر للمصور قليلا ً أن يحاول كسر النمط والروتين المتبع بأعماله قليلاً إذا كان يطمح للتميز.
ولذلك عندما نتحدث عن المنظور الفني فإننا ندعو المصور كذلك للنظر ببعدين مختلفين ! البعد الفني الثقافي الفكري، والبعد البصري الجمالي بأعماله ، وعليه أن يستسقي المعلومة بشكلها الصحيح وأن يتأكد منها ويحاول أن يوظفها بأعماله بالشكل الذي يتناسب مع قدراته وفهمه الفني ، فالمهارة وحدها لاتكفي .. كذلك المعرفة وحدها لاتكفي ..
فالأجدر الجمع بين الاثنين، فمعهما تكمل متعة التصوير ، خصوصاً عندما تتأكد أن ما تقدمه من أعمال فنية قد طبق وأتى بشكل صحيح.
ختاماً .. هناك الكثير من المغالطات بالتعاريف والتواصيف الفنية لدينا بالساحة العربية وتنقل وتعرف على أنها صواب وكثيرا منها جانبها الخطأ ، والمسؤلية تقع على من يسمح لنفسه على نقل تلك المعلومة بدون التأكد من صحتها على الأقل!
(فذلك أبسط أنواع المناظير… الأ وهو إعادة النظر ببعض الأمور!)
أطيب التحيات والتقدير …
عبدالله المشيفري