إستكمالاً للمقال السابق ، سنتحدث اليوم عن ماتم الإيعاز له بمقالتي السابقة بشكل مقرب ، حيث اعتقد البعض أنني قد قللت من أهمية بعض المحاور من ناحية التوصية وذكرت محور (تصوير الوجوه) فهو فعلاً محور سهل جدللتعلم إذا ما قارنته بأي محور آخر من حيث متطلباته للخبرة الفنية ، ونوعية المعدات المطلوبة كبداية مثل توفر عدسة وكاميرا بسيطة، ومن ثم من أراد التخصص بهذا المجال بلاشك سيبحر معه في أدق تفاصيله مابين إستخراج الأحاسيس المعبرة لوجوه الأشخاص وتفاعلهم مع المشاهد، ومابين تعلم توزيع الإضاءة وترتيب الكادر بشكل اكثر رتابه ومابين اختيار المعالجة المناسبة للعمل الفني ، إلى أن يصل لمرحلة التخصص بشكل أكبر للعمل على مشروع فني .
وقد يعتقد البعض بأن التوجه الفني للمصور محصورا فقط على توجهه إلى محوراً ما، أو بإلتقاطه للأعمال الفنية، ولكن هذا ليس هو كل المشوار للمصور ، بل السؤال هل ستبقى أمد الدهر تلتقط الأعمال الفنية فقط بشكل عشوائي، أم تذهب إلى أبعد من ذلك لكي تصبح مصوراً معروفاً!؟ ، وحديثي هنا سأوجهه في نقطتان ، النقطة الأولى : وهي كيف لك أن تصقل أعمالك الفنية بأسلوب خاص بك ومن يراه يعلم بأنك أنت المصور لهذه النوعية من الصور ! والنقطة الثانية والأهم معرفة ماذا تريد من ممارستك للتصوير ! هواية أم إحتراف أم شهرة!؟
والعلاقة هنا بين النقطتان علاقة تكاملية كلاهمها تكمل بعض وكلاهما لا يتعارضان ضد بعض! والسؤال هو كيف !؟
عندما نقول بأنك تريد أن تصقل أعمالك وأنت مصور مبتدء أو هاوي ، فلا تجد حرجاً من صقل أعمالك بطريقة مميزة وتحاول أن تضيف لها شخصيتك الفنية عليها ، بالتالي ستحاول دائما البحث عما هو جديد ومميز وعكسه وعرضه للجمهور وقياس ردود الأفعال قليلاً، وأنت في هذه المرحلة لم تصل بعد لمرحلة النقطة الثانية وهي تحديد مستواك الفني أو معرفة ماذا تريد من ممارسة هذه الهواية، لذلك بعد مرور بعض من الوقت بمشوارك الفني ستجد نفسك تلقائيا قد انتقلت للنقطة الثانية وهي بالسؤال ماذا أريد من هذه الهواية ! ابقى هاوياً أو أنتقل للإحتراف أو أبحث عن الشهرة وخطف الأضواء !؟ علماً بأن انتقالك للمرحلة الثانية قائم بشكل كبير على نجاحك بالمرحلة الأولى ، ومعها تتشكل شخصيتك الفنية القادمة أو (الدائمة).
والمسمى الصحيح لها باعتقادي هي (النضج الفني) فأنت هنا ستصبح أكثر تمرساً في ممارسة هوايتك، أكثر إدراكاً للفنيات والأحاسيس بالأعمال الفنية سواء التي كنت تراها من قبل أو التي أصبحت تلتقطها حالياً، وأكثر تحرراً لعكس وطرح الأعمال التي تطيب لك ، كونك أصبحت لديك الشخصية الفنية القوية التي تجعلك بأن لاتخجل من تقديم تلك الأعمال التي قد لايفهما البعض أو لم يصلوا بعد لمرحلة النضج الفني ، وأيضا ستصبح أكثر هدوء مع تعاطيك مع بعض الانتقادات الفنية التي ستأتيك خلال هذه النقلة بمشوارك الفني ، وستصبح أستاذا لأجيال قادمة ينظر لك بعين الإعتبار والتقدير.
ستجد نفسك بشكل أكبر قد تعودت على أخذ نوع خاص من الأعمال الفنية التي ستكون كسلسلة مترابطة دائما تحت نوع معين ذو توجه متخصص وذو معالجة واحدة في قادم الأيام، وقد تواجه صعوبة بالبداية بفرض هذا اللون أمام الجمهور خصوصاً أنهم لم يعتادوا على مسألة خروجك عن المألوف بعكس أعمالك السابقة ، ولكن هي مسألة وقت وسيعتاد المشاهدون على نوعية الأعمال التي تقدمها ، ولا تستغرب إذا ما تم إنتقادك بعد فترة لو غيرت هذا التوجه إلى توجهك نحو أعمال أخرى.
وقد تخدمك الظروف وتجد نفسك فجأة في كوكب الشهرة أو لربما تأتيك دعوة للعمل وتنفيذ بعض الأعمال الفنية مع بعض الجهات التجارية ، فعندها ستجد نفسك تبحر في بحراً آخر وهو التعاطي مع الشهرة ومسألة الإحتراف ، فحاول قدر الإمكان البحث عن منطقة الأمان التي تستطيع فيها أن تحافظ على المكتسبات التي حققتها في رحلتك الفنية ، فأحياناً قد يصاب البعض بالغرور نتيجة مواصلة النجاحات وقد يبادر بالإستنقاص من قدر البقية ، لذلك عزيزي المصور تذكر دائما أين كانت خطوتك الأولى و واصل المشي عليها حتى لاتخسر ما كسبته في هذه الرحلة ، وتجعلها تذهب في مهب الريح.
لذلك توجهاتك الحقيقة أجعلها مترابطة ومتواصله مابين الطموح الشغف العطاء والإجادة والتميز، وأجعل من أعمالك رسالة فنية تعكس ذاتك وعينك البصرية الجميلة ، أجعل هواية التصوير محل متعة لك وابتعد عن السلبيات والنقد السيء فذلك اكثر مايدمر هواياتك.
الكثير منا قبل أن يتعلم المشي سقط كثيراً، ثم تعلم الوقوف ،ثم بدأ يلتمس خطواته الأولى، وأخيرا تعلم المشي! (هكذا هو مشوار النجاح في الحياة).
أطيب التحيات والتقدير …
عبدالله المشيفري