كثير من المصورين وخصوصا المبتدئين والهواة تحديداً، من يسألني عن أفضل محور أو طريقة لتعلم التصوير وصقل موهبته بالشكل الصحيح ، وبالعادة أقوم بتوجيهم كبداية بالخوض بتجربة تصوير الوجوه كونها لا تتطلب كمية كبيرة من التحدي والمعرفة ، سوى ظبط نقطة الفوكس على العين والإنتباه لحدود الإقتصاصات فقط واختيار فتحة العدسة المناسبة، وقد تكون هناك عقبة وحيدة وهي الحصول على المودل الذي يقبل بتصويره ، وهذه قد تكون سهلة جدا خصوصا في ظل تزايد الفعاليات والمناسبات الثقافية والتراثية طوال السنة، حيث يتوافر الكثير من الأشخاص ممن يشاركوا بتلك الفعاليات وبالغالب لايمانعوا من تصويرهم ، فتكون هي فرصة للتعلم وللتجربة.
ورغم توجيهي للبعض على خوض تجربة تصوير الوجوه للتعلم على التصوير، إلا أنه لا أرشحها أو أرشح أي محور للتصوير كنوع للإتجاه للمصور بأن يكون متخصص بمحور معين بعينه ، كوني أني اؤمن بأن المصور المتميز هو ممن لا يضيع أيه لقطة مميزة أمامه بحجة أنه توجهه الفني محصور على محور معين! بل يحاول قدر الإمكان الإنفتاح وتوسيع الأفق لديه بخوض عدة تجارب فنية ، وهذا في حال أنه مازال يمارس التصوير كهواية لا كعمل احترافي ، حيث يطلب منه أن يكون مختص بنوع معين بالتصوير .
ومابين الإحتراف والهواية تكون هناك عدة فروقات مختلفة ، فعلى سبيل المثال يعُرف المصور المحترف بأنه هو من احترف التصوير بمجال معين وأخذها كمهنة ومصدر رزق له ، فهنا يجب على المصور المحترف عمل ملف تسويقي له لعرض اقوى أعماله الفنية بذات المحور نفسه من أجل تسويق نفسه أمام العملاء والزبائن الراغبين بالعمل معه، ويكون بالفعل متمكن ومتمرس للتخصص الذي يعمل به وأحياناً كثيرة قد يكون غير متمرس أو عنده الشغف لخوض تجارب أخرى ، في حين يكون المصور الهاوي قد يأخذ نفس المسار بجزئية التوجه بمحور معين بذاته، ولكنه لا يمتهن التصوير كمهنة أساسية له ، اللهم هي من باب الممارسة بوقت الفراغ وقد تكون لديه الرغبة بالتحدي بخوض تجارب فنية أخرى من باب التعلم وإكتساب بعض المهارات من هنا وهناك.
وبلا شك اتفق مع الذين يقولون بأنه الأفضل التوجه للون معين أو محور كونه يسهم في توجيه اهتمام المصور لصناعة لون خاص به، يميزه بين بقية المصورين ، ولكني مازلت أرى أن في ذلك التوجه تقييد كبير لكمية الإبداع التي ممكن أن يجد المصور نفسه بها من خلال تنويعه للأعمال الفنية التي يلتقطها ، والمتتبع لسيرة المصور العالمي ستيف ماكوري يعلم بلا شك أنه أتى للعالم كمصور صحفي في بداياته ، ومع الوقت بدأ قليلا بالخروج بأعمال فنية مابين تصوير الوجوه وحياة الناس والشارع ورواية القصة ببعض اللقطات، أو الذهاب بعيدا مع جملة من الأعمال الفنية ذات التعقيدات التكوينية واللونية.
وبالرغم من إنتقاد البعض للمصور ستيف كونه بدأ بالحياد والخروج من مجاله المعروف ألا وهو الصحفي ، فقام بالرد سريعاً بأنني كمصور أرى نفسي فناناً! وجوهر رده بأنه أرتى بأن جمالية المواضيع التي يجدها ويراها لايجب عليه أن يتجاهلها وأن لايمنعه توجهه الأصلي كمصور صحفي من الإستمتاع والتنويع بالأعمال ومشاركة الناس إياها، وستيف ليس هو المصور الوحيد ممن أحب فكرة التنويع بالأعمال ، بل هناك مصور آخر اعتبره كقدوة لي بفكره الشمولي بالتنويع في كمية الأعمال التي قدمها ووثقها بنفسه، أنه المصور آرنست هاس النمساوي الأصل الأمريكي الجنسية.
خلال ٤٠ سنة بمشواره الفني مابين تغطية الحرب العالمية الثانية كمصور صحفي ومابين مسيرته الفنية ، قدم آرنست كوكبة من الأعمال الفنية جعلته كمصور مميزاً بأعماله وتذوقه لجماليات التصوير بكل ماتعنيه الكلمة ، فما بين تجاربه الفنية لمحور التجريد وتصوير الوجوه والصحفي والرياضي والطبيعة والتجاري ، كان هو كذلك أول مصور من أطلق تجربة الصورة الملونه والخروج من عالم الصورة الأحادية بذلك الوقت، في تجربة فنية مميزة وضعت أسمه عليها كمؤسس فعلي لمدرسة الإبداع اللا محدود.
يذكر بأن أرنست تلقى دعوة للعمل كمصور دائم لمجلة لايف الشهيرة ، فقام بالرد عليهم فوراً بالإعتذار ! وفحوى اعتذاره كانت (ما أريده هو البقاء حراً حتى أستطيع تقديم الأعمال التي تعجبني ، أنا لا اعتقد بأن هناك محررين كثر ممن يستطيعون إعطائي الكثير من الواجبات للتصوير أكثر من التي أعطيها لنفسي!) ، عندما تقرأ هذا الرد تستطيع بكل إحترام وتقدير أن ترى حجم الشغف والحب والإلتزام الذي يكنه المصور الحقيقي لتوجهاته الفعلية للتصوير ، فلم يأخذها هولاء للبهرجة والحديث ونيل الإعجابات من هنا وهناك بقدر حبهم وشغفهم لهواياتهم الحقيقة ورغبتهم الحقيقية بمشاركتنا القليل من إبداعاتهم الفنية.
قبل كتابتي لهذا المقال كنت أبحث عن الطريقة المثلى لشرح الطريقة المناسبة لتوجيهكم لاختيار توجهكم الفني وكنت في حيرة من أمري ، ولكن مع الإبحار مع هذه السطور أيقنت بأن التوجه الفعلي لكل مصور هو أن يجعل من فنه وتصويره رسالته الحقيقية وأن لا يقيد إبداعه بمجال واحد، وإنما بفتح الأفق أمام مخيلته لإلتقاط أكبر عدد من الصور الجميلة والمميزة .
ختاماً.. الكاميرا ترى العالم من وجهة واحدة فقط والمصور يرى العالم من خلفها من عدة وجهات! أين الأهم لديك أن ترى بعين الكاميرا أو بعينك الفنية !؟ ..
أطيب التحيات والتقدير …
عبدالله المشيفري