تلك هي المسألة ، ما زلت اتذكر قرائتي لهذه الجملة من فصل مسرحية هاملت بالصف السادس الابتدائي وتحديدا من منهج اللغة الإنجليزية ، فكيف لطفل يافع لم يتجاوز عمرة العشرة سنوات أن يستوعب مكنونات وتفاصيل هذه الجملة الشهيرة للكاتب والأديب المميز وليام شكسبير ، والتي أخذنا بالضحك عليها عندما كنا صغارا ونحن نقوم بقرائتها ، ولسان حالي يقول ما الذي يعنيني في فهم هذه الجملة ولماذا يجب أن أقوم بحفظ فصلا كاملا من تلك المسرحية مجبرا لا مخيرا لكي انجح في مادة اللغة الإنجليزية ، إلى أن وجدت الأقدار سبيلها لدي لاحقا لفهم معاني تلك الجملة ، ولكي أكون ذو مصداقية بأن الفضول لفهمها بعد مرور السنين كان السبب الوحيد لإعادة قرائتها بتمعن أكبر من جديد حتى افكك طلاسم تلك الجملة الذهبية.
فكانت تلك الجملة باختصار هي دلالة أو إيحاء للصراع النفسي الذي يعانيه الإنسان في اتخاذ قراراته ما بين الجدلية أو الواقعية ، فإما أن يكون حاسما في قرارته أو لا ، وارتبطت بشكل كبير حسب تفسير النقاد والفلاسفة بمبدأ ترحيب البعض بتقبل التعايش مع الواقع المحيط أو تفضيل الموت على التعايش معه ، وفصول هذه المسرحية تدور بشكل عجيب جدا وخيالي ، فنجد فيها فصول الحب والغرام والسعادة والطموح والحسم والدهاء ونقضيها بذات الوقت الحزن والكآبة والمكر والخيانة والخداع إلى أن تنتهي فصولها لمرحلة تحقيق العدالة بالثأر ليموت أبطال قصتها في تراجيديا وحبكة عبقرية لواحدة من أروع ما كتبته أنامل الكاتب وليام شكسبير بالأدب الكلاسيكي ، مما جعل منها مصدرا لإلهام العديد من الكتاب والأدباء حول العالم.
كما أنني أدعوكم لقراءة القصة بأدق تفاصيلها لمتعتها الحقيقية في نقل جزء كبير من الواقع الذي نتعايش معه ، وهو ذات الواقع التراجيدي الذي نراه في محيطنا الفوتوغرافي ، حيث يتسائل المصور العربي عن ما يجري من حوله من أحداث درامية بالفترة الأخيرة ، وطالت نيرانها البعيد قبل القريب ، فهل بالفعل هم اخطأوا عندما ظنوا بأن هذه الهواية ستكون هي المتنفس الوحيد لهم ، وهل لهم أن يرموا بالملامة على الهواية نفسها أم على أصحاب العقول الصغيرة الذين افسدوا متعة هذه الهواية بصراعاتهم النفسية والمزاجية ، أو أن يقوموا بلوم أنفسهم عوضا عن ذلك لأنهم هم بتفاعلهم الإيجابي والسلبي على حدة ، كان السبب الحقيقي لوصول الحال إلى ما هو عليه اليوم ، أو أنني لربما أبالغ قليلا بالوصف نتجية تأثري بمسرحية هاملت فلربما أكون قد اخطأت في سرد بعض من الفصول القادمة التي عايشتها مؤخرا ؟
ففي الفصل الأول نرى مصور مجتهد ويحاول أن يبدع حسب إمكانياته المتواضعة ، لتجد أعماله الفنية طريقها إلى الانتشار أخيرا في بيئته المحلية بعد سنوات من الممارسة والتطوير الذاتي ، وما أن بدأت أعماله بالانتشار حتى وجد نفسه أمام سيول من الانتقاد من قبل كبار المصورين ، إثر عرض أحد أعماله الفنية في بيئته المحلية بوصفها أنها تتجاوز حدود اللباقة والأدب بالمجتمع المحلي ، في حين أن ذات الفكرة قدمت من سنتان مضت لمصور مشهور وبطريقة مشابهه لها تماما ، وكرمت بمنحها إحدى الجوائز وتم عرضها بمعرض فني كبير حضره المسؤول والمدير والوزير الفلاني ، وتم الإشادة بجهد الأستاذ والمعلم صاحب الالتقاطة المميزة ! (فهل وصل بنا الحال بأن نرى الخبزة بيد الفقير أن تكون أعجوبة ؟ أم أن قانون العيب يكون على ناس وناس ؟ ) .. (تناقض) !
وفي الفصل الثاني نرى مصور متمكن وفنان يشيد الكل بموهبته الفنية وأعماله المميزة والمتفردة ولكنه يعاني من انفصام بالشخصية ، فتارة نراه يدعو الكل إلى تقليد أعماله الفنية ، وتارة أخرى يتهم الجميع بتقليد أفكاره وأعماله الفوتوغرافية ، وتارة أخرى يخرج علينا بأنه استاذ صاحب فكر وفن ويدعو الكل إلى النهل من أفكاره وآراءه ، وتارة أخرى يخرج علينا بشخصية غريبة جدا يدعوا فيها الكل من متابعيه بتقييمه وتبجيله والإكثار من كلمات المدح والتغني بما يقدمه من مجهودات فنية لإثراء الساحة الفنية ، و ليختمها بإبراز شخصيته الحقيقية وهي الشخصية المهزوزة وتبرز فيها عقدة النقص والإحساس بالقيمة حقا ، والتي يعلن من خلالها في كثير من المناسبات برغبته بمغادرة الساحة الفنية بدون عودة ، على أمل أن يتعاطف جمهوره معه ومنعه من اخذ هذا القرار .. (أعانك الله على ما بلاك)
أما في الفصل الثالث نرى شخصية الفنان (بربر شاطر أعظم ساحر) الذي خرج علينا من العدم بأعمال فنية عالمية فاقت في حدود جماليتها سحر جمال المتأثرين بإبداعات المصور العالمي جيفر لي ، وأصبح حديث الساحة الفنية لنوعية تلك الأعمال الباهرة بإخراجها الفني متفوقا على افضل اساتذة التصوير لدينا بمحيطنا العربي ، وانطلق معها إلى القمة بسرعة الصاروخ بفضل دعم جمهور المتابعين المخدوعين بفنه المزيف ، والتي بنيت على سرقة أعمال فنية لأشهر المصورين الروسين والصينين وبما فيهم أعمال المصور جيفر لي نفسه ، حتى وجدت خدعه طريقها للنهاية إثر تساؤل الكثيريين عن ماهية ومصدر الأعمال التي يقدمها ، لتنتهي مسيرة تلك الانطلاقه الصاروخية بتقديم أعمال فنية مجملها قائم على تصوير ذات الموضوع ومن زوايا مختلفة ، ولكي نختم المشهد بنوع من الفكاهة (تم تكريم هذا الساحر الشاطر مؤخرا بواحدة من أشهر المسابقات العالمية بالمنطقة !)
ويتبقى لدينا الفصل قبل الأخير ، عندما نشاهد إحدى المؤسسات الفوتوغرافية العربية المنشأ وهي تنتقد بطريقة أو أخرى ضعف قدرات المصور العربي ، في حين نراها تسخر مقدراتها المالية والبشرية للارتماء في أحضان الغرب باستمرار ، عوضا عن تبنيها لمنهج فني يساهم في تطوير الثقافة الفوتوغرافية العربية ، وانحصر جل دورها الأبرز بتنظم المسابقات الفوتوغرافية والتي يعتبر الفوز فيها هو ضرب من الخيال ، بل هو مشابه بتحديات البرنامج الياباني الشهير (الحصن) حيث لايصل إلى النهاية إلا من كان الحظ حليفه ، نتيجة الشروط والقيود والمراحل الخاصة بالتحكيم ، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن كيفية نجاح وصول بعض الأعمال المقبولة والمعروضة بصفحاتهم الرسمية عن صدق اتباعها لتلك القوانين والشروط ! (اسمع كلامك اصدقك .. اشوف أمورك استعجب !)
وهنا نصل للفصل الأخير وهو صراع آل البيت الفوتوغرافي ، حيث سبق وذكرنا بمقالاتنا الفنية منذ أشهر قليلة بأن الأمور بذاك البيت قد بدأت بالتصدع وآلت إلى انتهاء وزوال فترته الذهبية ، فالصراعات بذلك البيت أدت بنهاية المطاف إلى فقدان الأبناء ضياع هويتهم الفوتوغرافية وهجرة البعض منهم له بدون عودة ، وهي ترجمة واضحة لرؤية عدد المشاركين بالمسابقة الأخيرة وضعف الأعمال المقدمة ، حيث وصل عدد المشاركين لقرابة الـ ٢٠ وهو عدد ضعيف جديد لبيت فوتوغرافي يعتبر الأكبر بالمنطقة العربية ، وعوضا عن تدارك الأمور ومعالجتها بالشكل السريع والصحيح ، ما يزال أصحاب البيت على إصرارهم بإتباع ذات المنهج وتدويره بمفهوم المسابقات الفوتوغرافية فقط ! (يقول آينشتاين : الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين ، بنفس الأسلوب ونفس الخطوات ، وانتظار نتائج مختلفة !)
بالختام .. لا أجد سوى أن ادعو للمصور العربي الطموح للانصراف بتطوير نفسه وذاته بعيدا عن هذه الصراعات ، ففي كثير من الأحيان البقاء وحيدا وبعيدا عن المجموعة هو الخيار الأنسب للبقاء بأمان .
وليعذرني الكاتب وليام شكسبير بالرد على جملته الشهيرة ( أكون أو لا أكون .. تلك هي المسألة ) بـ (هكذا كنا .. وهكذا سنكون !) .
أطيب التحيات والتقدير ،،،
عبدالله المشيفري